مقال اليوم: "منذ ذاك الوقت وحتى الآن"

مقال اليوم: "منذ ذاك الوقت وحتى الآن"
مقال اليوم للبروفيسور آشر كوهين يستحضر الماضي الأوروبي المظلم ليعكس من خلاله حاضرًا لا يقل خطورة، حيث تتجدد معاداة السامية وتُستدعى من أعماق الذاكرة الجماعية مع كل قطرة دم يهودي تُسفك
المحرقة
المحرقة

في مقاله "منذ ذاك الوقت وحتى الآن" الذي نُشر في صحيفة "يسرائيل هيوم"، يسلط البروفيسور آشر كوهين الضوء على الامتداد التاريخي لمعاداة السامية عبر القارات، من زمن النازية إلى أيامنا هذه، مستندًا إلى الذاكرة الجماعية اليهودية التي لا تزال تسترجع أصداء الكارثة الكبرى – المحرقة – في كل مرة يُسفك فيها دم يهودي.

يشير كوهين إلى أن تزايد المؤلفات والدراسات حول المحرقة لا يوسع فقط المعرفة بشأن النازيين، بل يكشف كذلك عن دور "أعوانهم" من الشعوب الأخرى. ففي القانون الإسرائيلي الذي سُن لمحاكمة النازيين وأعوانهم، كان المقصود الأساسي – كما يوضح – هم المتعاونون اليهود مع النظام النازي، ممن حوكموا بعد قيام الدولة. غير أن المقال يركّز على المتعاونين من غير اليهود، من شعوب ودول احتلها النازيون أو دعموهم طواعية، حتى دون الحاجة لاحتلال فعلي.

في استعراضه التاريخي، يلفت كوهين إلى أن بعض الأنظمة الأوروبية – كحكومة فيشي الفرنسية – سبقت الألمان في التمييز ضد اليهود، وأن منظمات كـ"الحرس الحديدي" الروماني مارست معاداة السامية من تلقاء نفسها منذ العشرينيات. في سلوفاكيا، بدأ اضطهاد اليهود بتأثير نازي حتى قبل اندلاع الحرب، وفي بلغاريا، باتت المساومة على أرواح اليهود وسيلة لمكاسب دبلوماسية. كل هذه الأمثلة، برأيه، تدل على أن الكراهية لم تكن مفروضة من برلين، بل وجدت أرضًا خصبة في أوروبا بأسرها.

ومع أن كوهين يعترف بوجود أقلية من "الصالحين من بين الأمم" الذين خاطروا بحياتهم لإنقاذ اليهود، إلا أن النتائج المروعة للمحرقة كانت ممكنة – كما يقول – بسبب تعاون أنظمة محلية وسلبية الأغلبية الصامتة. ويستشهد هنا بالمؤرخ إيان كيرشو الذي قال إن "الطريق إلى أوشفيتس شُق بالكراهية، ورُصف باللامبالاة".

في انعكاس على الحاضر، يرى كوهين أن أحداث 7 أكتوبر أعادت إحياء هذا "الزر في الذاكرة الجماعية"، منبّهًا إلى ضرورة التمييز: "هذه تذكرة، وليست مقارنة"، إذ لا يمكن مساواة المحرقة بأي حدث آخر. لكنه يلاحظ أن مجازر حماس بعثت من جديد البنية التحتية الكامنة لمعاداة السامية، المنتشرة – كما يقول – كداء لا شفاء منه.

ويرى كوهين أن الكراهية القديمة لليهود امتزجت اليوم بكراهية دولة إسرائيل، وتجسدت في الحملات ضدها في الجامعات الأمريكية، وفي منصات التواصل الاجتماعي، وفي تمويل قطري للتأثير الأكاديمي، بل وحتى في محاولات تركية لإنقاذ حماس سياسيًا. ويصف كل هؤلاء بأنهم "أعوان حماس"، تمامًا كما كان هناك "أعوان للنازيين"، مستخدمًا نفس المفردة القانونية الإسرائيلية: "المتعاونون".

ويختم مقاله بالتذكير بكلمات وزير العدل الإسرائيلي الأسبق، بنحاس روزين، الذي قال عام 1950 إن القانون لمحاكمة النازيين وأعوانهم جاء ليقول: "لن ننسى، ولن نغفر. إنه حساب مفتوح مع الماضي".

هذا النص المكثف يُظهر كيف يسعى كوهين إلى ربط الماضي بالحاضر، مستخدمًا المحرقة كعدسة يقرأ من خلالها العالم، محذرًا من أن الكراهية لليهود – بمختلف أشكالها – ما زالت فاعلة وقادرة على العودة بقوة في لحظات الدم المسفوك.

الأكثر شيوعاً